ععععععععععع

في رعاية الله

عبد السلام ادير :






شيخان فوق الثمانين ،ترافقا يتجولان ،تحت نسمات عشية ربيعية.
لم يكن غير مشروع الفتح ،الذي كان مسرحا لما حدث بينهما ،وانا على بعد امتار منهما بالصدفة.
يختلفان قليلا في القامة، وعمامتين بيضاوتين بياض الآيس كريم تغطيان وتزينان رأسيهما الغليظين.
لقد نزلا ذاك اليوم ضيفين على عائلة لهما هناك ،وخرجا ذاك المساء يعلنانها فسحة استكشافية ، مشيا ،مشية سلحفاة على قدميهما .
كانا يتحاوران بلهجتهما القبلية القديمة ،وبصوت طليق، بجمل جد مقتضبة ،ومصطلحات من المعاجم الغابرة.
كم كان الواحد منهما يثرثر ويتشبت برأيه ولا يبدي استسلاما لما يحكم به الآخر ، ويلوح بعكازه كتكملة لكلامه ، بينما يواري عنه الآخر وجهه معترضا .وكأنهما طفلين عنادا ورغبة في فرض الرأي وامتلاك الكلمة الاخيرة في الكلام.
لم تتأخر اللقطة المثيرة من المشهد حيث لما وصلا قبالة احدى البقع الفلاحية ،أراد احدهم ان يشير بعكازه ولوح به على شكل دائرة في الهواء ،يقصد أنه يعرف حدود تلك البقعة اكثر من الآخر .ويرسم حدودها افتراضيا بعكازه
<< شوف أحماد نتفيزا ..! هاتي البوقاعة نلحسين تومزد من القبلة ..تسكرد غيكا.."
فمرر عكازه بالضبط فوق رأس صاحبه .ضربت العصا عمامته من الجانب واسقطت جانبا منها، واستمرت العصا في اكمال دورة حدود بقعة لحوساين ...
فعضضت على شفتاي توقعا لما هو أسوأ..
لكن العجيب في الأمر أن صاحب العمامة التي تلقت الضربة لم يشعر ولم يفطن البتة لما وقع ،واستمر بشكل عادي تحيةفي طريقه .
والأعجب ان الذي ضرب عمامته غير قاصد
هو الآخر لم يدري نهائيا ماذا فعلت عصاه.
كنت غير مولع بالتصوير الى الحد الذي
يجعلني افكر في تسجيل لقطة لرجلين عجوزين يتفسحان ، في رعاية الله.
يبصر لهما ويسمع ،وهما في اوهن مراحل الحياة.
 لشيوخنا ، كيف نقنعهم اننا نفكر فيهم ونطلب لهم الصحة والعافية في كل يوم.

ضيافة خاصة


المبدع : عبد السلام ادير
  


(قصة واقعة )
وقف على بابه فجأة ،زمرة من الضيوف لم يتركوا له اية فرصة لاعداد ظروف الاستقبال على الوجه المطلوب.
اجلس زواره افخم غرفة عنده ،وبالكاد جمع فراش قيلولته امام اعينهم ،واسرعت امرأته في تعطير جو الغرفة ، فكبست بأصبعها على مفتاح قارورة المبيدات خطأ ،فملأت الغرفة ضبابا من مبيد الحشرات ظنا منها أنه المعطر الذي اقتنت منه قارورة منذ ايام.
رحب الزوج بالضيوف وخرج ينتظر زوجته المتثاقلة في المطبخ بفارغ الصبر. يريد أن يناقشها موضوع وجبة الغداء للضيوف ،
كان الجو مكفهرا من غبار رياح الشركي في هذه الايام الاولى من غشت.
جلس الضيفان يتصببان عرقا ،ويلطفان الهواء بما يملكان ،اطراف ثيابهما ،اما الصهر العجوز فخلع عمامته ليكشف عن صلعته المتعرقة ،بينما الحماة تلوح بمنديل صغير وهي توصي ابتها قبل خروجها الى المطبخ : لا تكلفي على نفسك ياابنتي ، ابوك وأنا ماجئنا الا للاستراحة قليلا عندك وسنذهب بعد حين.
-ويلي يا امي ، دائما في عجلة من امركما لابد أن أحضر كأس قهوة على الأقل.
العجوز الذي بدا عليه بعض الارهاق يقاوم بعينين عميقتين تكاد تغطيهما تجاعيد السنين الاشعة النافذة من الباب ليقول : <<أريد ياابنتي كأس ماء لأشرب وغلاية ماء لأتوضأ...>>
اجابت :لبيك يا ابي ،وهي تحت الخطى الى زوجها وهو على اعصابه. لا يملك عقدا على نقد ،ويعرف ان ليس في البيت ما يستحق ان يشرفه كوجبة لصهريه الثقيلين.

الزوجة تحاول تلطيف الاجواء والظهور ببعض الليونة في مواقفها. خاصة وهي تعرف طبيعة زوجها وتضايقه من ضيوف الصدفة خاصة اصهاره وقت قيلولته الزوالية. 
لقد حج اليه الضيفان على ظهر بغلتهما من مسافة بعيدة ،ولا مناص من تذوق الطعام قبل ان يغادرا.
اقترض من الزوجة خمسين درهما ،وبقي عليه ايجاد وسيلة نقل الى حيث الجزار لشراء اللحم. خرج وهو يلعن الظروف التي اوقعته في ذاك المأزق، لكن رغم ذلك،بقي في جعبته فكرة متميزة .
ذهب الى بيت اخيه فدق الباب ،واستأذن في الدخول ،واقترض منه دراجته النارية ،ولم يتقبل اخوه الطلب الا بشق الانفس وبشروط عنيفة...
أدار المحرك وركب ،وساعفته الدراجة رغم هرمها ،فانطلق بها يشق غبار ازقة ايت الغازي عبر ايت تامنت في اتجاه دكان الجزار نواحي محطة ايت ايكاس.
لقد كان يسير بسرعة غير مبررة وضميره تائه وعقله سائح ،ولم ينتبه لينقص من السرعة وهو امام آخر منعرج قبل مكان الدكان.
وفي المنعرج بالذات ،عوض أن يعمل دورة مناسبة ، جعلها رغما عنه دورة كبيرة لتفادي الانزلاق .
وجد نفسه وسط اكبر كومة من الاشواك،غرق فيها حتى النخاع ! وقد تكون حتى الخمسون درهما ضاعت بالمناسبة.
صارع كل تلك الظروف، وتمكن من الخروج وجر دراجته وهي مازالت تشتغل.
وصل الى الدكان دون اضاعة ثانية ،ودون حتى ان ينفض غبار ملابسه ،وما التصق بها من اشواك.
كانت حول منصة الجزار شردمة من الزبناء، تجاهلهم وتخطاهم اخونا وتوجه مباشرة الى الجزار الذي استغرب وفزع من الواقف فجأة ودون سلام .
.ودون ان يكون له الوقت للتركيز على كلماته ،قال اخونا التعس وبكلمات متسارعة : << أرا ليا دا محماد واحد كيلو تاع التمر ! >>.
فضحك من ضحك ،واستغرب من استغرب ،من حالة الرجل ،وهيأته ،وكلامه الغير منضبط.فحاولوا التهدئة من روعه .
ولما رجع الى وعيه ،ادخل يديه ليفتش كل جيوبه بحثا عن الخمسين درهما ...
وبينما هو كذلك ،اربت شخص واقف ورائه على كتفه ،فالتفت ، فقال له الشخص الغريب المشهور بكلام فيه الكثير من القوة والثقة : << الموطور ؟ >>
ولم يفهم صديقنا قصد الرجل تماما حتى اكمل معنى كلامه : <<قلت لك واش المطور عندو لوراق ؟ >>
-تبين من خلال سكوته ،مع ابقائه لفمه فاغرا ،أن الدراجة لا تملك ابسط الوثائق .
فقال الدركي :<< لاكارط ديالك ،وجيب مطور هنا !>>

اختر اللون الذي يناسبك