ععععععععععع

تعساء الطريق رقم 10




عبد السلام ادير :

اتفق أن استقللت احدى الحافلات من تلك التي كانت تجوب طريق تارودانت برحيل سنة 2013 ، وكان لها باب امامي واحد يستعمل للصعود كما للنزول.وكنت آتيا من برحيل نحو ايت ايكاس.
التقيت صدفة صديقا من ايت اكاس ،فتبادلنا التحايا ،وتطور الحوار ودخلنا في الحديث حول احوال احدى الجمعيات.المعروفة آنذاك بتورطها في صعوبات مالية وتدبيرية مؤلمة.
يحكى أن المفترض رئيس احدى الجمعيات في نواكشوط تهتم بماء السقي، ،كان داهية في استغلال نوايا صغار الفلاحين وفي التحكم في مالية الجمعية وقراراتها.
وباختصار كان تسييره كله ارتجاليا فوضويا ، وبالا على الفلاحين المنخرطين من الساكنة.
وإلا فلم أجد مايمكن أن يوصف به رئيس جمعية كان يتخذ جيوب معطفه" المشهور "المتعدد الجيوب كمكتب صالح لحمل الاوراق والاموال وطابع الامضاء بعلبة مداده ،ولو فتست كل الجيوب لاكتشفت جمعية مختصرة يحملها وتلتصق بهندامه كما بشخصه.
جمع الناس يوما على غير رضاه كما العادة،واقيمت ولائم الجمع العام وحضر الأكلة من كل نوع ومن كل حدب.
ضيوف رسميون ،وممثلوا الادارة وضيوف استثنائيون ،
قبل بدء تعداد المنخرطين.
تبدأ كؤوس الشاي والحلوى كمدخل لاستطابة نفسيات المقهورين من الفلاحين ومقدمة لاحتواء اية بوادر معارضة واشراك الجميع في " الطعام" ،تمهيدا لخلق إجماع حول اية قرارات في جعبة الرئيس "ومصفقيه ".المجانيين .
بمجرد التئام النصاب وبلوغ دفء كاس المنعنع واول عضة حلوى ،يبادر السيد الرئيس بعد مقدمة لاحد الموظفين ،فينهض ويتوسط الجلوس غير المتناسق (كل فرد او مجموعة تختلف في طريقة جلوسها ،وموضوع حديثها ) ، فيصيح في الناس ،بصوت طارق بن زياد حين هم بقطع مضيق المتوسط :
-وا عباد الله ، ها شغل نون ! فيخرج من احد الجيوب دفترا عاديا من 12 ورقة ،ويمكنك المراهنة معي أن الدفتر خال من اية كتابة، فيضرب به واضعا اياه على الطاولة.
لقد استطاع ان يوهم الحضور ألا قلة ،بأن كل الشؤون الادارية والمالية والمعطيات مقيدة بذلك الكناش الذي انقرض بيعه حتى في المكتبات.
-اسمعوا جزاكم الله خيرا ، هذه "أشيائكم" وحسابات الجمعية ،اضعها لمن يرغب في ان يخلفني ،انا...تعبت ..يكفيني من هذه المسؤولية...
يقول ذلك وهو واثق في نفسه ان لا احد يتجرأ في مثل تلك الحالة وتلك الظروف ،ووجوه الضيوف ،وفي انتظار طاجين الخروف وبالحلوى شغوف ،ان يتجرأ ويبدي استعداده لاخذ المشعل. اوحتى مجرد اخذ كلمة. نوع من التنويم وحسن استغلال التوقيت ل"تكليخ"(stupifaction) اغلبية الحضور خاصة "الاميين" منهم.
ينطلق التصفيق ،والصياح من اجل عدول الرئيس عن قراره المفاجئ والمؤسف والذي لايناسب رونق المكان المزين بصواني الشاي والوجوه المنيرة.
وحتى من احس باي امتعاض اوتحفظ ،لاسيما من الشباب ،يضيع صوته في ضجيج واستعطافات " اصحاب"ببقاء الرئيس على رأس الجمعية وتسيير مهامها ،فيعيدون الثقة فيه لسنوات اخرى ،رغم انها قد تأتي على مابقي من اخضرار في الحقول المعتمدة في ريها على المضخة التي تسيرها جمعيته.
يمرر التصويت على المكتب والتقريرين المالي والادبي دون ادنى معارضة لتفتح الابواب امام طقوس الشهية للولائم التي يحرص صاحبنا على ان تكون دسمة.
توقفت الحافلة في سيدي احماد ،صعد الركاب إلا من شاب طويل القامة يحمل دجاجة بيد،وعجلة دراجة بيد اخرى، وكان يركض باقصى سرعة في اتجاه باب الحافلة الذي بدات تتحرك . كنت انظر اليه عبر النافذة وهو ينطلق كالسهم لعله يدرك الحافلة،وقد تمكن اخيرا من ادخال رأسه فانغلق عليه الباب وبقي عالقا مثل السمكة ،قبل ان يرمقه السائق فاعاد فتح الباب ،فسقط الشاب ،وسلمت ابدانه ،لكن الدجاجة هربت شمالا والعجلة عادت الادراج نحو اولاد برحيل.
كانت ذلك اول حادث طريف صادفناه في تلك الرحلة، لكن بوصولنا قبالة زاوية افركان، اكتشفنا المزيد..
الفينا مجموعة نساء وبعض اطفال في انتظار الحافلة ،وكان بينهم شيخ كبير ،سبقه الجميع الى الاكتضاض حول الباب الامامي الوحيد للحافلة المكتضة أصلا ، عندما توقفت.
لم يشأ شيخنا ان يقحم نفسه في الزحام ،بل فطن الى فكرة يبدو انه اقتبسها من حكم القدماء من جيله ،المعروف بالحكمة.
توجه الشيخ الى الجانب الخلفي وكان ضعيف البصر ،وسار يدق بعكازه الصفيحة الجانبية للحافلة مفترضا ان يكون هناك باب ثاني لازحام عليه ويكون الشيخ سباقا لما لم يفطن له الاخرون..هه.
-داق داق !..حليا هنا !...
-ومازال يدق ولم يفطن له احد غير صديقي وانا، وقدحاولنا مساعدته بالصوت والاشارة لكن لم يكن يستطيع رؤيتنا ولاسماعنا عبر النافذة ،حتى تحركت الحافة ،وبقي الشيخ فاتحا فمه لم يعلم ماذا جرى ،ولا كيف اوصدوا الباب الخلفي في وجهه.

اختر اللون الذي يناسبك