ععععععععععع

الزين إيلافيك !

المبدع عبد السلام ادير
زينب شابة يافعة مقبلة على الحياة بكل امل وتفاؤل .هي في سن الزواج ،ومازال لم يتضح مستقبل حبها .تعارفت مع محسن من قرية اخرى ومنذ ايام دراستها . استطاع بلطافته ان يمنحها الثقة في نفسها .تطورت علاقتهما عبر الهاتف ووسائل اخرى .فاصبحا لا يتصوران الحياة منفردين .
منذ ايام فقط ، لمح اليها ما يفيد أنه ينوي التقدم لخطوبتها. لكنها لم تاخذ كلامه بالجدية اللازمة بعد.
،فرغم انها تجد في داخلها ميلا واضحا الى حبه وارتياحها لمقدماته ،الا انها لا تستسيغ بقائهما يعيشان على مايشبه الوهم ،سيما والمجتمع المحيط بهما لا يعترف بالعلاقة بينهما خارج اطار الزواج والاعراف المحلية. من جهته لم يخالفها هذا الراي ،ويعي جيدا ماينبغي فعله ،فهو مفتتن بها ،ويريد وضع حد لنظرات وكلام الناس في موضوعهما.
منذ ولجت زينب غرفتها ،وامها تنتظرها لاعداد وجبة العشاء . لكنها تماطلت لانشغالها بالاستعداد للخروج مع بنات الجيران لحضور "الهدية".
.كان الوقت غروبا ، .والقرية تودع قمم حيطانها واسطحها آخر ما تعكسه من اشعة الشمس المسائية .الذهبية.
امسية صيفية بامتياز ،ولا حديث هذه الايام في معظم البوادي ،الا حول الاعراس والمناسبات العائلية .التي تبرمج لعطلة الصيف.
صخب غير عادي وسماع تقتقات "التعريجة" والدفوف تتقطع وتيرتها قليلا او تستمر حسب التيارات الهوائية التي تحمل صوت عزفاتها الى الآذان من اقصى القرية.
.هناك بمنزل في زاوية من القرية يقام اليوم عرس صديقتها فاضمة . وعادة في الليلة الاولى من الزفاف تكون خاصة ب "هدية "البنات لفائدة العروس .
،تتقاطر شابات القرية العزباوات من كل حدب موعدهن بيت العروسة تقدم الهدايا اليها على انغام اهازيج محلية يتخللها رقص وفرجة خاصة تغري الكثيرين للتطاول بالاعناق والتطفل ، خاصة شباب الدوار البالغين ،في اطار حضور غير رسمي او مايمكن تسميته الحق في البحث عن زوجة المستقبل.تلصصا للنظر الى المحتفلات .المدعوات .
زينب في بيتها لازالت تذهب وتجي وهي على الاعصاب لتاخرها عن الموعد .لقد نادت عليها للتو آخر صديقاتها لمتاخرات من "دريبتها "
امها تتفهم نفسية ابنتها المستعجلة لكنها تحتاط دائما من صرامة ابيها . هو الذي يوشك على العودة من صلاة المغرب ليطالب بإحضار العشاء ،وهو يعتمد في ذلك عادة ،على ابنته البكر زينب ،التي رباها في جو محافظ نوعا ما.ولم يعودها قط تجاوز حدود اللياقة معه .
لم تتجرأ مثلا على طرح اي من تلك المواضيع التي تعد مقبولة في كثير من البيوت اليوم .كالحب والزواج وغيره الا ناذرا جدا. هكذا علاقتها بأبيها.
زينب تعلمت الكثير عن ماضي ابيها العاطفي والذي لم يكن ليتجاوز بعض النظرات والرسائل بينه وبين امها حين نويا الزواج لكن اليوم تغيرت الامور ولم تجد عيبا في ان تتخذ بدورها عشيقا وبحسن نية ،اسوة بكثيرات من صديقاتها..وواقع مجتمعها
.امها اقرب شخص اليها تعلم ببعض اسرارها وتعلم حتى ان عجلتها هذا المساء ورائها حكاية دافع ما . احتمال لقاءها بمحسن ،الفتى الكتوم و البشوش في نفس الوقت ، من القرية المجاورة . لقد اثر على ابنتها وعلى وجدانها واستحوذ على غير قليل من افكارها ووقتها بشخصيته الخاصة وطبعه الهادئ.
.تلك كانت آخر المعلومات عند امها عن المدعو محسن، الا ان زينب تبدو انها تعاني ارتباكا هذه العشية ،وكأن امرا استجد في قصتهما العاطفية.
لقد اخبرتها احدى الصديقاتبدعاية مفادها أن محسنها شوهد مع احداهن وهو في علاقة يغلب الظن انها حميمية ،فارادت زينب ان تفعل المستحيل لتراه بمناسبة هذا المساء وتتبين حقيقة ماتسمع.رغم انها تستبعد ان يفكر يوما في غيرها.
واخيرا قبلت الام بعد اخذها ضمانات من ابنتها بأن تتولى امر العشاء وكذلك امر اقناع الاب وتتركها تخرج الى الحفلة على الا تطيل المكوث .
لبست ما يجعلها متميزة وجذابة ،جعلت هدية العروسة في محفظتها ،ورقة خمسين درهما وديكورا لوحة لمشموم من الورد احتفظت به لمدة.
كانت الازقة مضاءة بمصابيح عمومية ،وتشهد حركية غير معتادة ،اطفال يتسابقون ويمرحون . وباقترابها ا من بيت العرس ،رات سيارات مركونة وشبابا مراهقا يشاغب بضحكاته وحركاته وحيويته منظر المكان ،ويتبادل اخر الابتكارات في التواصل والملاحظات الظريفة كلما مر بهم فوج من الفتيات . يتجمع ويحتفل الشباب القروي عادة بطريقته ويصيد الفرص للتعبير عن فحولته وتميزه حينما تحضره مثل تلك المناسبات.
كما يستغل عدم الاكتضاض في اليوم الاول من العرس ليتفقد عن قرب ماامكن مايعرض من سلعة الجمال والاغراء.
حاولت زينب مسح كل الامكنة التي يتوقع وقوف محسن بها ،وخطفت النظرات الى كل المجموعات من الفتيان على جنبات الطريق حتى مدخل بيت العروسة ،لكن لم تجد له اثرا.
هو الذي لم يتخلف عن اماكن تواجد اقرانه ،ولم يسبق ان كذب عليها من قبل .هو الذي اسمعها من كلام الغزل اعذب الوانه.هاهو يثير قلقها ،فتدخل في افتراضات مسبقة حتى بعد وجودها وسط جوقة البنات حول العروسة.
كانت تخفي امرها ،وحاولت الاندماج مع جو الاهازيج ،موزعة ابتسامات مجاملة على كل من نظر اليها.
بحثت بنظرها علها ترى صديقتها التي كانت قد شككت لها من قبل في علاقة محسن بها ،فلم تكن موجودة .
كانت زميلتان في ركن بعيد من غرفة العروسة المكتض ،تتفاكهان تقهقهان ،بشكل اقرب الى الهستيريا .التفتت ناحيتهما زينب فناديانها ،فلبت واشارت احداهن لها بالجلوس قربهما ففعلت ،لكنهما استمرتا في ضحكاتهما غير المؤدبة تتلاغزان على زينب بكلام فيه من المعنى مايفيد ان زينب "المغفلة" "هزها الماء " وفاتها القطار ،
كاد قلبها يقفز من مكانه حينما تحملت منهما صبرا لتسمع تكملة هرائهما ان محسن احضر عائلته اليوم بالذات ليطلب يد فتاة في نفس الدوار لم تكن غير "فتيحة " التي اكدت لها انه لم يعد يرغب فيها.ففهمت سبب غيابها عن الحفلة .
استدار المكان بها وكادت تستسلم لإغماء يغلب على طاقة قلبهاالضعيف.ترى تلك الحمقاء فتيحة كيف تجرؤ على خيانتها وسرقة حبيبها منها .وحتى مستوى الجمال عندها ابعد من ان يقارن بجمال زينب وحسن طلعتها هخلقها المؤدب.
لم تعد تجد اي مذاق للحفلة التي هي فيها ،ولم تعلم مايمكن ان تفعله.
نادت على احدى الرفيقات ،لترافقها الى المنزل ،وتصنعت اعذارا لمغادرة ذالك المكان الذي صار بالنسبة اليها ابغض بقعة على الكوكب . فاندفعت خارجة تلعن كل سبيل اتى بها لتسمع اثقل نبإ على فؤادها .فتى احلامها الذي طالما اعتبرته اعقل الشباب ،واخلص الناس واقربهم الى ترددات مشاعرها ،هاهو يظهر على حقيقته ،يعصف باحلامها وآمالها ،يغرس خنجر الغدر في ظهرها ،
ليرتمي ببساطة في حضن فتاة اخرى .
تحولت حياتها الى جحيم ،وكأن الدهر والحظ لها بالمرصاد ، فاطلقت العنان للدمع ،وتسرب الياس الى قلبها الصغير ،الذي كان الى وقت قريب مفعم بالاحاسيس الوردية والحيوية والطمانينة.
حينما ينكسر القلب من علاقة بعد الفة طالت اياما ،وسهرا ، امتد لياليا طوالا ،لم يعد مجديا الا استنزال اللعنات وترقب الويل ووجع الوحدة ودمار المشاعر.
كانت مرافقتها اصغر من ان تتفهم حيثيات نفسية زينب التي انقبضت فجاة ،وتخللها كضم وزفير ودموع.
تسللت الى البيت ،وولجت غرفتها ،دون ان تثير ملاحظة امها التي كانت منشغلة حينئذ ،فوقعت على بطنها وتمددت على سريرها تفرز لمزيد من دموع الاحزان ووابل الآهات التي تكالبت عليها فجاة هذا المساء.
نهضت فجأة ،وهمت بتكسير كل شيء حولها انتقاما من هذا الحظ الذي اسقطها في احضان غشاش ماكر ،فكرت في استخراج كل صوره وهداياه الزائفة من دولاب خزانتها ،لتنتقم بحرقها ،وجعلت تجمع كل شيء يمت اليه بصلة .عزاء لقلبها المنكسر ...
امها تدخل وتجدها على تلك الحالة ،فيصيبها الذعر ،والغرابة من حالة ابنتها ، التي عاينت على خذ ها اثر الدمع والمعانات ...
ليس عند زينب الوقت لاخفاء امرها مع محسن فتماسكت و سردت كل شيء ،ولم تشأ أن تضعف امام الامر خاصة وهي التي تظهر دوما امام عيني امها بمظهر الشابة المثقفة العارفة ،الآخذة بزمام شؤونها.بل وتعلمت امها منها الكثير من الامور بحكم حيازتها مستوى تعليميا لاباس به
-<< ..يا روعي عليك ياابنتي ،جعلتي قلبي يدوب عليك خوفا. ظننتك ،مصابة باي مكروه .>> تقول امها بعد سمعت مقتضبا مما جرى .
-<< ..من الذي ضحك عليك بهذه الاكاذيب ،؟ من الذي استغل سداجتك ورمى بك في هذه الحالة .لماذا تقسين على نفسك هكذا دون سبب ؟
ترد على امها كامجنونة : - كيف ذلك ،دون سبب ؟ ماذا تقصدين يااماه ؟
فتواصل الام كلامها ،وفي محياها ضحكة ساخرة. وكأن في جعبتها امر لاتعلمه الفتاة .مما زاد من ارتباكها . واضافت : << ماتلك ياابنتي امامك ؟ اهي صور محسن ؟>>.
- وما ادراك يا امي ،اني احببت احراقها واحراق اي دليل على علاقتي بذاك ...ال...
فاخرستها امها بقولها : ياغبية ،محسن الآن عندنا في بيت الضيوف ومعه امه وهي ترغب في رؤيتك .لقد بقي في وعده لك واتى خاطبا ،
فبقيت الفتاة فاتحة فمها وهي تسمع الخبر الجديد من امها ،وتكاد لاتصدق ماذا يقع في حياتها اليوم.
-<< نعم انه محسن بلحمه وعظمه ،وانت من قلت دائما انه لا يكذب ولا يعبث بمشاعرك . تعالي لتنظري بنفسك .
- ماذا ؟ الم يذهب لخطبة فتيحة بنت النجار ؟
-بل جاء ليخطبك انت ،فانهضي ورتبي هيئتك وتعالي الى ابيك يسال عنك ،ويريد تقديمك لوالدة محسن .
-تملك زينب احساس لايوصف ،وهي لم تصدق بعد ،وكادت يغمى عليها من الفرحة ،ولم تدري ماتفعل ،وتمنت لو انها تلقى محسنا ف.... استحيت من غبائها ومن حكمها المتسرع على كلام الناس ،
اخذت الهاتف وطلبت اعز صديقاتها التي حضرت لتؤازرها وتشاركها اقوى لحظات حياتها .
ظنت لبعض الوقت انها تحلم ،عانقت امها وهي في قمة الانتشاء،ودموع الفرح تبح صوتها.
- ياللهول ! يا لسخرية الاشياء !لم يخب املي فيك يامحسن !لقد كنت دائما مخلصا لوعودك ،دقيقا في احتمالاتك ، كيف اجعلك تسامحني ؟ وكيف اسامح نفسي ا؟ انا التي تجرات وشككت في مروئتك ،وان كان الجميع يذكرونك بالاستقامة وحسن الخلق ؟
تساؤلات ،عمقت من احساسها بالخجل ،وان كان اللوم يقع على صديقتيها التين وسوستا لها وادخلتاها نوبة من الظنون والتسرع في الحكم على من سكه قلبها منذ شهور.
- لقد كدت ان افقد حسن ظنك بي يامحسن ،ولو كانت اية فتاة مكاني ،فماخلتها تتصرف الا كما تصرفت .
.... تشجعت ودخلت على ابيها وضيوفه ،وسلمت على الجميع واستدارت للخروج في حياء وصدرها يضيق بقلبها من وطأة الموقف ،بينما الخطيب الوسيم الذي لم يستطع اخفاء مشاعر الحياء ،وان تمكن من خطف نظرات اليها ،ليجدها اكثر اشراقا ،واكثر سحرا وجمالا. اعجبه تادبها في السلام على الحضور ،فنظر في عيني والدته متفقدا ردة فعلها ،واثقا من حسن اختياره.
بالفعل بالغت ام محسن في استحسان اختيار ولدها،وعبرت عن سرورها وتشجعت للدخول في ادبيات طلب يدها من والديها.الذين لم يترددا في قبول الطلب مبدئيا على أن تستانف المراسسيم المتعارف عليها خلال القادم من الايام...
غادر الضيفان ،ووجدت زينب الوقت للاختلاء بنفسها في غرفتها ، فتحت علبة الهدية التي احضرها محسن وبها فستان من أروع مايكون بالوان زاهية ،وقارورة فخمة من العطر النفيس، ولإكمال الفرحة تفاجأت بجهاز تليفون ،فاجاها كونه من اغلى نقالات ايفون الجيل الجديد .شغلته ،وفتحت علبة الرسائل مباشرة ، فاكتشفت خطابا من محسن داخل اطار كتبه برومانسية وعناية :
-شكرا على الضيافة حبيبتي ،شكرا لوالديك لقبول طلب عاشق مجنون .
سعادة لاتوصف وشعور فوق الطاقة .
لا اتصور مستقبلا الا في حظنك.
الى اللقاء حبيبة قلبي في اقرب الايام .
كانت غارقة في حلم اخذ كل وجدانها ،تقبل شاشة النقال ،ولم تفطن الى والدها الواقف بالقرب يبتسم ويستمتع بفرح ابنته المدللة .فتنحنح ،والتفتت اليه وانطلقت تحتضنه وتقبل يديه .
مبروك عليك ياابنتي ! واطلب من الله ان يجعل ايامك سعادة وهناء.

(رواية مرتجلة هدية لكل العشاق في ايت ايكاس ، بمناسبة اطلالة الصيف .اتمنى ان اكون موفقا ،في تجربتي المتواضعة هذه ،وفي اختيار الموضوع وملامسة الاذواق ،مع احترامي لكل الشباب وتمنياتي لهم بالمزيد من السعادة والنجاح .)

اختر اللون الذي يناسبك