ععععععععععع

الشجرة المباركة



بقلم : عبد السلام ادير
كان اجدادنا يتوخون إتقان عملهم والدقة فيه ،وكانت بلاد الاسلام تعج بعلماء ومبدعين عظماء كان الواحد منهم يمتطي الصدق والصفاء إلى حين إتمام مهامه على احسن مايرام.ومازالت منجزاتهم تتحدى الزمن وتورق فهم رواد الحضارات المتقدمة .
لا بل حتى العامة التزم اغلبهم الصدق والاخلاص في كل مناحي حياتهم ،لولا تكالب الظروف بانواعها ،ونفس الشيء إذن بالنسبة لمنطقتنا كجزء ولو صغير من تاريخ الامة.
لو نتفق على ان المرء منا اليوم ،يكاد لا يفلت عمله وتفكيره من الغش وتزيين المظهر على حساب الجوهر،ويتقاضى اجره كاملا بأقل عناء ،فإن اجدادنا البسطاء في كل شيء كانوا يعملون دون التفكير في جانب الاجرة والتركيز عليها ،وكان اتقان عملهم هو اسمى هدفهم.
جاءت الآلة بأنواعها وتقنياتها فمضت تستعبد المساحات وتنزع مهن الناس نزعا ،وتخلف البطالة ومهن الكسل والاعتماد على الغير والتقرب من ذوي الرساميل ،التي تمخضت عنها ما يمكن تسميته استعباد المال لكل لاهت ورائه واصحابه.
دخل الفلاح العجوز جنته ،واغلق من ورائه ترعة الحقل ،وانطلق يمشي ببطء يتفقد غلة اشجار زيتونه المغروسة صفوفا.كان يتوقف بين الحين والآخر ويديه وراء ظهره مشتبكتي الاصابع،وعيناه تكاد تظهر من بين تجاعيد وجهه،وعنقه يشرئب إلى فروع الاشجار. لقد أضحت الثمار توشك على النضوج ،والغلة جيدة كما كان توقع منذ بداية الربيع. 
صاحبنا من القلائل الذين مازالوا يعتنون بالشجرة المباركة ،ويفهمون في طرق رعايتها،ويحتفظون باسرار معرفية قديمة في هذا الشأن ،شانه شأن القدامى الذين كانوا يستعينون بالمنازل الفلكية وملاحظة الظواهر للتنبؤ بعطاء كل عام فلاحي على حدة.
وكان الناس توارثوا علوما في الزراعة والبنيان والطب وكل شيء .لم يندثر بل تمكنت الحضارات الغازية من سلب اغلبه واستغلاله بطرق مختلفة ولاهداف مختلفة.
في منطقتي ،يشكل الزيتون منتوجا محليا قديما ،،وكانت العمليات المتصلة به ،من الغرس حتى الجني والتعصير تشغل أيادي عاملة محلية ،ومهارات تقليدية لكنها دقيقة .ولا يخلوا خزان الذكريات عند اي منا، مما عاشه مع مراحل العناية بالزيتون والجني.
وتمثل مرحلة الطفولة اغنى مجمع للذكريات التي تابى الانصياع للنسيان.
يكون الموعد مع جني ثمار الزيتون عادة في عز الشتاء ،فتدب في البيت حركة استثنائية حين ينهض الجميع في ساعات الصباح الباردة وفي ايديهم اواني لتجميع الثمار. حتى الجدة العجوز والصبي محمولا على ظهر امه يظل في الحقل وتنال "الجريحة "من خذوذه لتحمر كالورد، ويكفي حضور الجد او الجدة لتقوية العزائم.والبلاء في العمل. 
ذكور واناث ،انها فرصة لاعادة الثقة والتلاحم بين افراد الاسرة وتوحيد احلامهم. وحتى الطعام يؤتى به الى عين المكان فيظل الناس في عملهم كانهم في نزهة عائلية.
يقتضي صعود وتسلق اشجار الزيتون وعملية "السوس" ايادي كفؤة وذات صبر وخبرة ولهذه المهمة يعتمد على استخدام محترفين ، هم اصلا يفدون على مناطق الزيتون من بلدان مختلفة .وخاصة من اعالي الجبال حيث حقول الجوز واللوز التي تقطف بنفس اساليب قطف الزيتون. فيستعان بهم ،وهم يستعملون العصي المختلفة الطول يضرب بها على فروع الشجرة لتتخلص من الثمار. وتبقى مهمة الالتقاط والجمع على باقي افراد الاسرة .
كنا اطفالا ،وكنا نستمتع كثيرا ونحن نساعد الكبار ،الذين كانوا يستحسنون عملنا تارة .عندما يمتلئ دلو او قفة ثمارا ناخذها الى مكان التجميع ،وطورا تزعجهم بلعبنا ولامبالاتنا بالعمل. كانت تنصب افرشة حصير تحت الاشجار اثناء العملية تجنبا لسقوط وضياع الثمار بين الاعشاب والاشواك..كنا نستمتع باصوات الموهوبين من الجبليين ،لما يتناوبون الغناء ،شعرا امازيغيا ،بريئا وشجيا ،تستحسنه المسامع بمختلف اعمارها،وكم كنا ونحن في الحقل نفرح حينما يحضر الطعام ،ويجتمع الكل حول "طاجين "دافئ بالخضر واللحم والزيتون الاخضر ،الذي تحضره النساء مسبقا .
تكون نهاية يوم العمل عند الغروب ،فيعود الكل للراحة بعد وجبة العشاء ."بيصارة بزيت العود الجديدة والفلفلة الحارة " وخبز التنور .
إلا الأب أو العم يمتد عمله الى حيث ايصال غلة الزيتون الى المعصرة التقليدية ،بواسطة دواب ،وتمة مجال لذكريات اخرى لن اتمكن في هذا المقال من الاشارة اليها إلا لاحقا إن شاء الله.

0 ردود الأفعال :

إرسال تعليق

تعليقك هنا...................

اختر اللون الذي يناسبك