ععععععععععع

فرصة من يوكوهاما


عبد السلام ادير
استوقفتني وانا ضائع وسط دكاكين تارودانت ،سائحة ضيقة المقلتين ،خاطبتني صدفة ببعض كلمات فيها لطف وادب وغرابة ورجاء ، توضحت في الحين سحنة وجهها فرحا،لما اكتشفت انني افهم بعض الفتات من الانجليزية والفرنسية.
بالصدفة اكتشفت كذلك انني انتمي الى المنطقة التي ترغب في زيارتها، اخرجت خريطة جديدة ووضعت اصبعها على موقع جماعة ايت ايكاس،وقالت انها مغامرة يابانية دخلت من فرنسا ،ومستثمرة تهتم بالعالم القروي والشباب والمرأة،كما اوضحت انها تفضل اكتشاف المناطق المفترضة للاستثمار بنفسها بمنآى عن التعليمات التقنية والمطبوعات الاشهارية الجاهزة . 
سألتني إن كنت استطيع مساعدتها وادلها على من يمكن الاعتماد عليه في مرافقتها لاستكشاف المنطقة ،فاقترحت عليها بعد تفكير ان اكون من يقوم بالمهمة ،ولم اشر لها الى اي شرط او اي مقابل ،فاتخذت لنا عربة حصان الى محطة الحافلة "الطوبيس "واخذنا مقعدين في الوراء.
ادينا ثمن ورقتين وانتظرنا وقتا مهما قبل ان تمتلأ الحافلة وتتحرك على الطريق.
كان الوقت كافيا لتبادل التعارف بيننا،اما فيما يخص عيون الركاب التي كانت تحدق بنا فكان علي ان استعمل تقنيات وثقافة خاصة لاشرح لحفيدة اكيهيتو النصف عارية سبب تلك النظرات .
توقفت الحافلة امام سوق الاربعاء ونزلنا ،واتجهت بالسيدة الشابة صوب مقهى ايت ايكاس، وشرحت لها اننا بصدد شرب شيء ما ،واخذ قسط من الراحة ووضع خارطة للاماكن المراد استكشافها.وكان ان صادفنا يوم التسوق الاسبوعي الربعاء.
اعجبت اول ما دخلنا بابتسامة "ابي الدجاج " ولحيته الصلبة وطربوشه المائل ،كما اعجبها منظر الكراسي المشتتة والزبائن كيف يدخلون ويزاحمون صاحب المطعم داخل المكان الخاص بالطبخ،وسألت عن المطبخ فقلت :إن كل ماتريدين يعده الرجل من وراء ذلك "الكونتوار"العجيب، 
لاحظت بذكائها كيف ان استغلال الامكنة واليد العاملة عندنا اكثر اقتصادا منه في اليابان ،ففي كونتوار ابي الدجاج مثلا ،كما شرحت لها ،سلع ومشروبات وماكولات وصناديق وعلب وادوات اضافة الى آلة القهوة .ثم من وراء" الكونتوار "حيث يقف "القهواجي" كوانين جمر ومواقيد الغاز وقنينات وثلاجة وكراسي ومعدات وأمانات وأغراض بعض الزبائن ، وفوق راس الرجل على رفوف جدارية ،علب سردين وزجاجات مختلفة الانواع ،وفي الثلاجة نفسها فوضى اخرى لا داعي لتفصيلها ...
إنه يقوم بطهو اربعة اوخمسة انواع من الاطعمة ،ومثل ذلك من الاشربة ويغسل الاواني ،يناقش الاثمنة يسجل اصحاب الديون يخرج لتقديم الاكل او تنظيف الطاولات يتحكم في مستقبل التلفاز يرد على الهاتف ويستقبل الزبناء كما يخرج للتسوق يوم الاربعاء لتمويل اسرته البعيدة والمتعددة الافراد .
وهذا ما جعل السائحة تريد أن تفهم كيف يعمل ذو اللحية الجافة كل شيء بنفسه في مقهى يمكن ان يتسع للاستعانة بمساعدين إضافيين على الاقل، ؟ فقلت لها : إن من وراء كل هذا المرج والتعب مدخول ضئيل والرجل هناك متابع بدفع الكراء وثمن الطاقة والماء والضريبة ،ثم عليه النظر إن تبقى شيء ليقتسمه مع صاحب المحل الاصلي ،
سألتها ماذا تاكل او تشرب فاحتارت وتركتني اقترح فما وجدت غير زجاجة ماء معدني لتفادي اي احراج اوتبعات.
رأت الناس تأكل العدس في اوان كبيرة بدون فرشاة ،ومع كثير من الخبز ،رات من ياكل واقفا ومن يشرب مجانا ،ورات ايضا اكلات ياتي بها الزبناء من خارج المقهى ليتناولوها على موائد المقهى ، رات بعض الزبائن متكئين بدون طلبيات يتفرجون على التلفاز الضخم المغبر والمرقط من آثار بزاق الذباب والاهمال ،وبعضهم يلهو بالشطرنج البلدي او ورق اللعب التي شحبت اوراقه من كثرة الاستعمال،
ضجيج وفوضى وابتسامة الناذل للزوار من ركن مظلم ،وتبادله الصراخ حتى مع مع بعض المارة خارج المحل.
لست اعلم بكل مالاحظته تلك الدمية التي لا علم لي كيف تدربت على الحفاظ بابتسامة وجهها مهما تكون المواقف والظروف وكانها لقحت ضد العبوس منذ ولدت.
لم تعلم الزائرة ان لأبي الدجاج مهن اخرى متعددة غير المقهى ولكن النتيجة هي نفسها،مدخول هزيل ،وكذلك الامر بالنسبة لمئات امثال هذا الرجل في هذه المنطقة ،حاولت ان اترجم لها مقولة :"سبع صنايع والرزق ضايع فلم اتوفق لانها لم تفهم اصلا كيف يكون للشخص عندنا عدة مهن ولا يحقق العيش الكريم . وان مدخول عمله لا ينتعش الا يوما كل اسبوع او اياما في السنة .
لم ارد ان اضيف انه لم يتلق تعليما ولا يحمل دبلومات ولا يستفيد من اية تغطية كانت . وان مصيره وامثاله متروك تحت رحمة الزمان والمجهول .وتركتها ان تكتشف ذلك واكثر طيلة الرحلة التي بداناها من مقهى ايت ايكاس ،وساجتهد كي اطلعها متطوعا لا ماجورا ،على مزيد من معطيات قد تفيدها في دراسة المناخ العام لموقع مشروع استثمارهاالمستقبلي المفترض وكنت ارغب في ان اجعل منطقتي عند حسن ظنها علها تقتنع بحط رحال مشروعها التنموي عندنا.
غادرنا المقهى بعد ان اخذت لواجهته صورة بآلتها .ولم أر اي باس إن رافقتها لندخل الى سوق الاربعاء لاخذ نظرة .
فهل ياترى ساكون السفير الموفق والمرشد الناجح للرد على اسئلتها وفضولها خاصة وانها تمتاز بجدية في العمل وبذكاء عال وتتعامل مع الامور بمنطق دقيق للغاية.
صبرا ،عزيزي القارئ ،فهذا ما سارويه في المقال القادم بحول الله.فما رايك ؟

0 ردود الأفعال :

إرسال تعليق

تعليقك هنا...................

اختر اللون الذي يناسبك