ععععععععععع

مقاوم بنكهة" العصيدة "


عبد السلام ادير

قبل الاستقلال بعقدين من الزمن ،كان "بويمزكان" من خارج ايت ايكاس،الراعي المأجور ،يرعى قطيع "دالحسن " من دوار آيت تامنت ايت ايكاس ،يطوف بها كل يوم غابة اركان تارة شمالا وطورا الى الجنوب.كان مخلصا في عمله ويعتبره دالحسن ساعده الايمن.إلا أنه كان عنيدا لا يتوانى عن إرتاع غنمه اينما وجد العشب والكلأ لا يعترف بحق ملكية أو حيازة ،
من عادة الساكنة أن يقننوا كل صيف عملية جمع ثمار الاركان فيمنعوا الرعي عن بعض المناطق الوفيرة الثمار حتى تنضج وتجنى بشكل جماعي ليتم توزيعها على الاسر.كانوا يعلنون اغلاق الغابة امام الرعاة جهرا وبإذن السلطات.
ابويمزكان هذا كان لا يتوانى عن الزحف بقطيعه داخل غابة ايت الغازي المحضورة ،،رغم تحذيرهم له ولصاحب الغنم مرارا.
حدث يوما ان رصده السكان ،متلبسا فقبضوا عليه متحالفين،ووسعوه ضربا.واستاقوا غنمه بعيدا عن مجال غابتهم ،وأخذوا منها كبشا سمينا ،ورجعوا به الى القرية للتشاور حول غنيمتهم. فقال أحد المتبصرين منهم : ليس عليكم أن تذبحوا هذا الكبش ،والا عايرتكم القبيلة وسار فضيحة لن تغتفر عبر التاريخ.
قيل وما نعمل به ؟ قال فتى منهم :سناخذ هذا الكبش الى" القائد ابراهيم" في تالامت ،واستقر رايهم على ذلك وأخذوا الكبش على ظهر دابة والحرارة يومئذ تتشقق من شدتها قواقع السلاحف ،والطريق طويل والناس في شهر الصيام. لكن الفتية كانوا قد اخذوا معهم ماء وفاكهة صبار طازج تحسبا لهجوم العطش. وكما توقعوا ما ان توسطوا الطريق حتى عجزوا عن المتابعة من شدة العطش فجلسوا الى شجرة وشربوا وتناولوا فاكهةهم المنعشة. واتفق ان مرت امرأة بجانبهم ،فلما اتضح لها ما يفعلون صرخت واطلقت سيقانها للريح خوفا ممن لم يخف الله.
استأذنوا حين وصولهم ،فأذن القايد في استقبالهم ،وقال : ماورائكم اهل ايت الغازي ؟فقالوا :جئناك بهذا الكبش هدية .فقد قايضناه بنصيب من ثمر اركان "أفيياش" لصالح دالحسن ،وارتأينا أن نقدمه لكم فما استحق اكله غيركم لما لكم في قلوب ايت الغازي من حب ومودة وولاء ،فشرفنا،سيدي بذبحه أمام أعيننا لنحمل بشرى قبولكم هديتنا الى اهلنا ،وكلهم يقرأون لك السلام.
فذبح الكبش،ورجع الركب ،وفي الغد توجه دالحسن الى القائد شاكيا باكيا ،لكن كان قد فات الأوان ولم يستمع إليه أحد.
أما بويمزكان ،فقد فارق دالحسن بعد سنوات وورث كنصيب لكده قطيعا خاصا به ،انتقل ليسكن وحيدا في دوار القصبة في "دار ايت بلا " الخالية من سكانها آنذاك.
في تلك الأيام من سنوات الاربعين كانت الحرب تحصد الاخضر واليابس بين الحلفاء والالمان في اوروبا وباقي المعمور ،وكانت فرنسا المستعمرة للمغرب تاخذ منه كل ما من شانه ان يكون حطبا لحربها.اخذت الشباب والمعادن وحتى الفحم والماشية.كانت تقطع اجزاء من الغابات فتجعلها فحما يصدر في الحين الى فرنسا.ولم تنج غابة ايت ايكاس من الاستنزاف ،وقطعت مساحات من غابة ايت الغازي وايت واعراب لغرض الفحم.وكان المستعمر وضع حارسا عسكريا ا خاصا بغابة ايت الغازي يمنع عنها الرعي.كي تستعيد الشجرة المقطوعة نموها .وتسمى المنطقة تلك ،محليا ،ب "لكتار ".
بويمزكان لم يتغير طبعه ،وعاود الدفع بغنمه الى لكتار تقضم براعم اركان الفتية ،وقد فطن اليه الحارس وحذره وانذره مرات لكن لم يرعوي ،فنصحه ناصح إن أبويمزكان لا تردعه إلا العصا..
ذات ظهيرة رصده الحارس للمرة الرابعة وهو متلبس لا عذر ولا اعتذار ،فوخزه بعصا غليظة واسقطه ارضا واشبعه ضربا ،لكن بويمزكان من شدة الألم لم يعلم متى وكيف تمكن من عصا نزل بها بقوة على رقبة الحارس ،فأرداه قتيلا...
كان احد الشهود رأى من بعيد ما جرى ،فلحق به بويمزكان وهدده بإبادة أهله، إن هو نطق أو باح بكلمة لأحد.فبقيت الجثة في الغابة اياما ،حتى اكتشفها المارة ،وصدرت الاوامر بالبحث والتقصي.
جمع المقدم كل الساكنة ،دارا، دارا ،وزنقة زنقة وخطب فيهم أن عليهم اكتشاف المجرم تحت طائلة سجن الجميع ،إنها أوامر قبطان فرنسي من تارودانت.
لم يستغرق البحث الا يوما حتى تم الاشتباه في بويمزكان ،رغم ان كثيرين غيره كانوا متهمين إما بحكم قرابة أوصداقة مع الجاني اوالمجني عليه.
اتفق الناس على الا يشعروا بويمزكان الساكن لوحده في خربته خارج القرية،وان يزحفوا ويطوقوا منزله،وتقدم بعض الشباب الاقوياء وقرع احدهم بابه ،متظاهرا أنه يبحث عن معزة" طارت" من قطيع له.فأنكر بويمزكان إن كانت في حظيرته معزة أي احد،فقال الآخر :اوتتركني اتحقق بعيني ليطمئن قلبي ؟
فتركه بويمزكان وفتح الباب فانقض عليه الشاب" بلخير "والتحق به الآخرون ،واقتيد بويمزكان مكبلا الى حيث مسرح الجريمة. لقد انكر في البداية لكن الشهود والحجج كانت له بالمرصاد، وحضر القائد ابراهيم راكبا سيارته ،و للاشارة،كانت هي اول سيارة يمتلكها ايكاسي ،وقال للجاني :ماذا فعلت ،؟فقال :لقد قتلت عدو ايت الغازي وعدو البلاد، وأرحتهم منه .
حضر القبطان الفرنسي ،ووقف على القضية، وجالس السكان في ظل شجرة على شرب لبن وعصيدة،الاكلة الرسمية المفضلة آنئذذ، وحرر محضر النازلة فاقتيد ابو الأذنين إلى حيث الكلمة للعدالة.

0 ردود الأفعال :

إرسال تعليق

تعليقك هنا...................

اختر اللون الذي يناسبك